فصل: الحديث السَّادِس عشر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الثَّانِي عشر:

رُوِيَ أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «التَّيَمُّم ضربتان: ضَرْبَة للْوَجْه، وضربة لِلْيَدَيْنِ إِلَى الْمرْفقين».
هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طرق أَحدهَا: رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه عَن أبي عبد الله الْفَارِسِي مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل، ثَنَا عبد الله بن الْحُسَيْن بن جَابر، ثَنَا عبد الرَّحِيم بن مطرف، نَا عَلّي بن ظبْيَان، عَن عبيد الله بن عمر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «التَّيَمُّم ضربتان ضَرْبَة للْوَجْه، وضربة لِلْيَدَيْنِ إِلَى الْمرْفقين». ثمَّ قَالَ: كَذَا رَوَاهُ عَلّي بن ظبْيَان مَرْفُوعا، وَوَقفه يَحْيَى الْقطَّان وهشيم وَغَيرهمَا، وَهُوَ الصَّوَاب وَكَذَا قَالَ فِي علله: إِن الصَّوَاب وَقفه عَلَيْهِ. ثمَّ رَوَاهُ فِي سنَنه بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِمَا عَن عبيد الله بن عمر وَيُونُس، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر أَنه كَانَ يَقُول: «التَّيَمُّم ضربتان: ضَرْبَة للْوَجْه، وضربة للكفين إِلَى الْمرْفقين».
ثمَّ رَوَى من طَرِيق مَالك، عَن نَافِع «أَن ابْن عمر كَانَ يتَيَمَّم إِلَى الْمرْفقين».
ثمَّ رَوَى من حَدِيث سُلَيْمَان بن أَرقم، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سَالم، عَن أَبِيه قَالَ: «تيممنا مَعَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فضربنا بِأَيْدِينَا عَلَى الصَّعِيد الطّيب، ثمَّ نفضنا أَيْدِينَا فمسحنا بهَا وُجُوهنَا، ثمَّ ضربنا ضَرْبَة أُخْرَى الصَّعِيد الطّيب، ثمَّ نفضنا أَيْدِينَا فمسحنا بِأَيْدِينَا من الْمرَافِق إِلَى الأكف عَلَى منابت الشّعْر من ظَاهر وباطنٍ».
ثمَّ رَوَى بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور: «تيممنا مَعَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بضربتين: ضَرْبَة للْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ وضربة للذراعين إِلَى الْمرْفقين».
ثمَّ رَوَى من حَدِيث سُلَيْمَان بن أبي دَاوُد الْحَرَّانِي، عَن سَالم وَنَافِع، عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ «فِي التَّيَمُّم ضربتين: ضَرْبَة للْوَجْه، وضربة لِلْيَدَيْنِ إِلَى الْمرْفقين». قَالَ: وَسليمَان بن أَرقم وَسليمَان بن أبي دَاوُد ضعيفان.
قلت: وَكَذَا نَص غير وَاحِد من الْحفاظ عَلَى ضعف رِوَايَة الرّفْع، وَسَببه أَن عبد الله بن الْحُسَيْن بن جَابر الْمَذْكُور فِيهَا وهاه ابْن حبَان. وَعلي بن ظبْيَان- بِكَسْر الظَّاء- قَالَ أَبُو حَاتِم وَالنَّسَائِيّ والأزدي: مَتْرُوك. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: واه جدًّا. وَقَالَ ابْن نمير: ضَعِيف، يُخطئ فِي حَدِيثه كُله. وَقَالَ يَحْيَى بن سعيد وَابْن معِين وَأَبُو دَاوُد: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ ابْن حبَان: سقط الِاحْتِجَاج بأخباره.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه: رفع هَذَا الحَدِيث عَلّي بن ظبْيَان وَهُوَ خطأ، وَالصَّوَاب وَقفه عَلَى ابْن عمر. قَالَ: وَقد رَوَاهُ سُلَيْمَان بن أبي دَاوُد وَسليمَان بن أَرقم أَيْضا مَرْفُوعا، وَلَا يحْتَج بروايتهما.
قَالَ: وَالصَّحِيح رِوَايَة معمر وَغَيره عَن الزُّهْرِيّ، عَن سَالم، عَن ابْن عمر من فعله.
وَقَالَ الْحَافِظ عبد الْحق فِي أَحْكَامه: عَلّي بن ظبْيَان ضَعِيف عِنْدهم، وَإِنَّمَا رَوَاهُ الثِّقَات مَوْقُوفا عَلَى ابْن عمر.
وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه: رَوَاهُ عَلّي بن ظبْيَان مَرْفُوعا. ثمَّ نقل كَلَام الْأَئِمَّة فِي تَضْعِيف عَلّي- كَمَا أسلفناه- ثمَّ ضعف سُلَيْمَان بن أبي دَاوُد وَسليمَان بن أَرقم، وَخَالف الْحَاكِم فروَى الحَدِيث فِي مُسْتَدْركه من حَدِيث عَلّي بن ظبْيَان مَرْفُوعا- كَمَا سلف- ثمَّ قَالَ: قد اتّفق الشَّيْخَانِ عَلَى حَدِيث الحكم، عَن ذَر، عَن سعيد بن عبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى، عَن أَبِيه، عَن عمر فِي التَّيَمُّم، وَلم يخرجَاهُ بِهَذَا اللَّفْظ، وَلَا أعلم أحدا أسْندهُ عَن عبيد الله غير عَلّي بن ظبْيَان، وَهُوَ صَدُوق.
قلت: بل واه- كَمَا سلف- ثمَّ قَالَ: وَقد أوقفهُ يَحْيَى بن سعيد وهشيم وَغَيرهمَا. قَالَ: وَقد أوقفهُ مَالك عَن نَافِع فِي الْمُوَطَّأ بِغَيْر هَذَا اللَّفْظ، غير أَن شرطي فِي سَنَد الصدوق الحَدِيث إِذا وَقفه غَيره ثمَّ رَوَى حَدِيث سُلَيْمَان بن أَرقم الأول. ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث مُفَسّر وَإِنَّمَا أوردته شَاهدا لِأَن سُلَيْمَان بن أَرقم لَيْسَ من شَرط هَذَا الْكتاب، وَقد اشترطنا إِخْرَاج مثله فِي الشواهد. ثمَّ رَوَى حَدِيث سُلَيْمَان بن أبي دَاوُد السالف ثمَّ قَالَ: سُلَيْمَان بن أبي دَاوُد أَيْضا لم يخرجَاهُ، وَإِنَّمَا ذَكرْنَاهُ فِي الشواهد.
قَالَ: وَقد روينَا مَعْنَى هَذَا الحَدِيث عَن جَابر بن عبد الله عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِإِسْنَاد صَحِيح. ثمَّ سَاقه عَن أبي بكر بن بَالَوَيْهِ وَغَيره، عَن إِبْرَاهِيم بن إِسْحَاق الْحَرْبِيّ، ثَنَا إِبْرَاهِيم ثَنَا عزْرَة بن ثَابت، عَن أبي الزبير عَن جَابر قَالَ: «جَاءَ رجل فَقَالَ: أصابتني جَنَابَة وَإِنِّي تمعكت فِي التُّرَاب. فَقَالَ: اضْرِب. فَضرب بِيَدِهِ الأَرْض فَمسح وَجهه، ثمَّ ضرب يَدَيْهِ فَمسح بهما يَدَيْهِ إِلَى الْمرْفقين» وَفِي علل ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ مُحَمَّد بن ثَابت عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا «فِي التَّيَمُّم ضربتين» فَقَالَ: هَذَا خطأ، إِنَّمَا هُوَ مَوْقُوف. قَالَ: وَسَأَلته عَن حَدِيث رَوَاهُ قُرَّة بن سُلَيْمَان، عَن سُلَيْمَان بن أبي دَاوُد، عَن سَالم ونَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا «فِي التَّيَمُّم ضربتين» فَقَالَ: هَذَا حَدِيث بَاطِل، وَسليمَان ضَعِيف الحَدِيث. قَالَ ابْن أبي حَاتِم: وَرَوَى الرّبيع بن بدر، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن الأسلع قَالَ: «كنت أخدم النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ...» فَذكر التَّيَمُّم ضربتين. قَالَ أبي: الرّبيع هَذَا مَتْرُوك الحَدِيث.
الطَّرِيق الثَّانِي: وَهُوَ عِنْدِي أَجود من الأول عَن جَابر رَضي اللهُ عَنهُ أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآله وَسلم قَالَ: «التَّيَمُّم ضَرْبَة للْوَجْه، وضربة لِلْيَدَيْنِ إِلَى الْمرْفقين» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه من حَدِيث عُثْمَان بن مُحَمَّد الْأنمَاطِي، عَن حرمي بن عمَارَة، عَن عزْرَة بن ثَابت، عَن أبي الزبير، عَن جَابر بِهِ. وَسكت عَلَيْهِ وَضَعفه ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه بعثمان بن مُحَمَّد وَقَالَ: إِنَّه مُتَكَلم فِيهِ. وَلم يبين من تكلم فِيهِ وَلَا ذكره فِي ضُعَفَائِهِ وَنَقله الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام عَنهُ وَأقرهُ عَلَيْهِ، وَعُثْمَان الْمَذْكُور لَا أعلم من وَثَّقَهُ وَلَا من جَرحه، وَقد ذكره ابْن أبي حَاتِم وَلم يذكر فِيهِ جرحا وَلَا تعديلاً.
قلت: وَقد رَوَاهُ إِبْرَاهِيم بن إِسْحَاق الْحَرْبِيّ، عَن إِبْرَاهِيم عَن عزْرَة كَمَا أسلفنا ذَلِك عَن رِوَايَة الْحَاكِم وتصحيحه فَلم ينْفَرد عُثْمَان بِهِ.
الطَّرِيق الثَّالِث: من حَدِيث أبي أُمَامَة، وَقد ذكرته فِي تخريجي لأحاديث الْمُهَذّب من طَرِيق الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه وَلم يظفر بِهِ النَّوَوِيّ فِي شَرحه للمهذب وَقَالَ: إِنَّه مُنكر لَا أصل لَهُ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ، فراجع ذَلِك مِنْهُ.

.الحديث الثَّالِث عشر:

رُوِيَ أَنه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآله وَسلم قَالَ لعمَّار: «يَكْفِيك ضَرْبَة للْوَجْه وضربة للكفين» هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أَوسط معاجمه عَنهُ بِلَفْظ «تمسح وَجهك وكفيك بِالتُّرَابِ ضَرْبَة للْوَجْه وضربة للكفين» ثمَّ قَالَ: لم يروه عَن أبي عُمَيْس- يَعْنِي عَن سَلمَة بن كهيل عَن سعيد بن أَبْزَى عَنهُ- إِلَّا إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْأَسْلَمِيّ.
قلت: وحالته مكشوفة قد علمتها فِي الطَّهَارَة وَفِي المعجم الْكَبِير لَهُ: «وضربة لِلْيَدَيْنِ إِلَى الْمَنْكِبَيْنِ ظهرا وبطنًا» وَفِي لفظ «إِلَى المناكب والآباط» قَالَ أَبُو عمر فِي تمهيده: كل مَا يرْوَى عَن عمار فِي هَذَا مُضْطَرب مُخْتَلف فِيهِ، وَأكْثر الْآثَار المرفوعة عَنهُ: «ضَرْبَة وَاحِدَة للْوَجْه وَالْيَدَيْنِ» وَقَالَهُ أَيْضا أَحْمد بن حَنْبَل فِي سُؤَالَات أَحْمد بن عُبَيْدَة.
قلت: وَصرح الشَّافِعِي ثمَّ الْبَيْهَقِيّ وَغَيرهمَا بِأَن التَّيَمُّم إِلَى الآباط مَنْسُوخ بِرِوَايَاتِهِ الثَّابِتَة فِي الصَّحِيحَيْنِ بِالْأَمر بِالْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ.

.الحديث الرَّابِع عشر:

أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ لأبي ذَر: «إِذا وجدت المَاء فأمسه جِلْدك».
هَذَا الحَدِيث فرقه المُصَنّف فَذكر بعضه هُنَا- كَمَا ترَى- وَبَعضه آخر الْبَاب فَقَالَ: وَفِي مثله: «قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لأبي ذَر، وَكَانَ يُقيم بالربذة ويفقد المَاء أَيَّامًا، فَسَأَلَ عَن ذَلِك فَقَالَ: التُّرَاب كافيك وَلَو لم تَجِد المَاء عشر حجج».
وَهُوَ حَدِيث جيد رَوَاهُ بِطُولِهِ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث أبي قلَابَة عَن عَمْرو بن بجدان- بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة، ثمَّ جِيم سَاكِنة، ثمَّ دَال مُهْملَة، ثمَّ نون- عَن أبي ذَر أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «إِن الصَّعِيد الطّيب طهُور الْمُسلم، وَإِن لم يجد المَاء عشر سِنِين، فَإِذا وجد المَاء فليمسه بَشرته، فَإِن ذَلِك خير». هَذَا لفظ التِّرْمِذِيّ، وَفِي رِوَايَة لَهُ: «الصَّعِيد وضوء» بدل «طهُور». رَوَاهُ من حَدِيث أبي أَحْمد الزبيري، عَن سُفْيَان، عَن خَالِد الْحذاء، عَن أبي قلَابَة بِهِ. وَلَفظ أبي دَاوُد: عَن خَالِد الْحذاء، عَن أبي قلَابَة، عَن عَمْرو بن بجدان، عَن أبي ذَر قَالَ: «اجْتمعت غنيمَة- وَفِي لفظ: من الصَّدَقَة- عِنْد رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَالَ: يَا أَبَا ذَر، ابد فِيهَا. فبدوت فِيهَا إِلَى الربذَة وَكَانَت تصيبني الْجَنَابَة فأمكث الْخمس والست، فَأتيت النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَالَ: أَبُو ذَر. فسكنت. فَقَالَ: ثكلتك أمك أَبَا ذَر، لأمك الويل. فَدَعَا لي بِجَارِيَة سَوْدَاء فَجَاءَت بعُسٍّ فِيهِ مَاء، فسترني بِثَوْب، واستترت بالراحلة وَاغْتَسَلت، فَكَأَنِّي ألقيت عني جبلا، فَقَالَ: الصَّعِيد الطّيب وضوء الْمُسلم وَلَو إِلَى عشر سِنِين، فَإِذا وجدت المَاء فأمسه جِلْدك فَإِن ذَلِك خير».
ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث حَمَّاد عَن أَيُّوب، عَن أبي قلَابَة، عَن رجل من بني عَامر قَالَ: دخلت فِي الْإِسْلَام، فهمني ديني، فَأتيت أَبَا ذَر فَقَالَ أَبُو ذَر: إِنِّي اجتويت الْمَدِينَة، فَأمر لي رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بذود وبغنم، فَقَالَ لي: «اشرب من أَلْبَانهَا» قَالَ حَمَّاد: وأَشك فِي: «أبوالها» فَقَالَ أَبُو ذَر: «فَكنت أعزب عَن المَاء وَمَعِي أَهلِي فتصيبني الْجَنَابَة فأصلي بِغَيْر طهُور، فَأتيت رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بِنصْف النَّهَار- وَهُوَ فِي رَهْط من أَصْحَابه وَهُوَ فِي ظلّ الْمَسْجِد- فَقَالَ: أَبُو ذَر. فَقلت: نعم، هلكتُ يَا رَسُول الله. قَالَ: وَمَا أهْلكك؟ قلت: إِنِّي كنت أعزب عَن المَاء وَمَعِي أَهلِي فتصيبني الْجَنَابَة، فأصلي بِغَيْر طهُور. فَأمر لي رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بِمَاء، فَجَاءَت بِهِ جَارِيَة سَوْدَاء الْعَينَيْنِ يتخضخض مَا هُوَ بملآن، فتسترت إِلَى بعير فاغتسلت، ثمَّ جِئْت فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: يَا أَبَا ذَر، إِن الصَّعِيد الطّيب طهُور وَإِن لم تَجِد المَاء إِلَى عشر سِنِين، فَإِذا وجدت المَاء فأمسه جِلْدك».
قَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَاهُ حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب لم يذكر «أبوالها» قَالَ: و«أبوالها» لَيْسَ بِصَحِيح فِي هَذَا الحَدِيث، وَلَيْسَ فِي أبوالها إِلَّا حَدِيث أنس تفرد بِهِ أهل الْبَصْرَة. وَلَفظ النَّسَائِيّ عَن سُفْيَان عَن أَيُّوب بِهِ: «الصَّعِيد الطّيب وضوء الْمُسلم وَإِن لم يجد المَاء عشر سِنِين». وَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده من حَدِيث أَيُّوب، عَن أبي قلَابَة، عَن رجل من بني عَامر «بعث إِلَى أبي ذَر...» فَذكره، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من طرق من حَدِيث أَيُّوب وخَالِد، عَن أبي قلَابَة، عَن عَمْرو مُخْتَصرا كَلَفْظِ النَّسَائِيّ، وَمن حَدِيث أَيُّوب عَن أبي قلَابَة، عَن رجل من بني عَامر قَالَ: بعث إِلَى أبي ذَر فَذكره مطولا بِنَحْوِ رِوَايَة أبي دَاوُد الثَّابِتَة، وَمن حَدِيث أَيُّوب عَن أبي قلَابَة، عَن عَمه أبي الْمُهلب، عَن أبي ذَر بِنَحْوِ رِوَايَة التِّرْمِذِيّ، وَمن حَدِيث خَالِد، عَن أبي قلَابَة، عَن عَمْرو بِهِ بنحوها أَيْضا. وَمن حَدِيث خَالِد، عَن أبي قلَابَة، عَن محجن أَو أبي محجن، عَن أبي ذَر مثله. وَمن حَدِيث قَتَادَة عَن أبي قلَابَة، عَن رَجَاء بن عَامر، عَن أبي ذَر مثله، ثمَّ قَالَ: كَذَا قَالَ: رَجَاء بن عَامر. وَالصَّوَاب: رجل من بني عَامر. كَمَا قَالَ ابْن علية عَن أَيُّوب.
وَقَالَ التِّرْمِذِيّ عقيب إِخْرَاجه الحَدِيث: هَكَذَا رَوَى غير وَاحِد عَن خَالِد الْحذاء، عَن أبي قلَابَة، عَن عَمْرو بن بجدان، عَن أبي ذَر. وَرَوَاهُ أَيُّوب عَن أبي قلَابَة، عَن رجل من بني عَامر، عَن أبي ذَر وَلم يسمه. قَالَ: وَهَذَا حَدِيث حسن. وَفِي بَعْضهَا: صَحِيح. وَعَلَيْهَا اقْتصر صَاحب الإِمام، وَرَوَاهُ الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي مُسْتَدْركه من حَدِيث مُسَدّد، نَا خَالِد، عَن خَالِد الْحذاء، عَن أبي قلَابَة، عَن عَمْرو بن بجدان، عَن أبي ذَر بِمثل لفظ أبي دَاوُد الأول سَوَاء، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح وَلم يخرجَاهُ؛ إِذْ لم نجد لعَمْرو بن بجدان رَاوِيا غير أبي قلَابَة الْجرْمِي. قَالَ: وَهَذَا مِمَّا شرطت فِيهِ وبينت أَنَّهُمَا قد أخرجَا مثل هَذَا فِي مَوَاضِع من الْكِتَابَيْنِ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته: عَمْرو بن بجدان لَيْسَ لَهُ راوٍ غير أبي قلَابَة، وَهُوَ مَقْبُول عِنْد أَكْثَرهم؛ لِأَن أَبَا قلَابَة ثِقَة، وَإِن كَانَ بِخِلَاف شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم فِي خُرُوجه عَن حد الْجَهَالَة بِأَن يروي عَنهُ اثْنَان. قلت: فِي اشْتِرَاط ذَلِك فِي الْخُرُوج عَنْهُمَا نظر، وَهُوَ منقوض بمواضع فِي صَحِيحَيْهِمَا أخرجَا أَحَادِيث عَن رُوَاة لَيْسَ لَهُم رِوَايَة غير وَاحِد، وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث وهب بن بَقِيَّة، أَنا خَالِد، عَن خَالِد، عَن أبي قلَابَة، عَن عَمْرو، عَن أبي ذَر كَلَفْظِ الْحَاكِم، ثمَّ من حَدِيث يزِيد بن زُرَيْع، نَا خَالِد الْحذاء، عَن أبي قلَابَة، عَن عَمْرو بِنَحْوِهِ. ثمَّ قَالَ: ذكر الْخَبَر المدحض قَول من زعم أَن هَذَا الْخَبَر تفرد بِهِ خَالِد الْحذاء. ثمَّ سَاقه من حَدِيث سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ، وخَالِد الْحذاء، عَن أبي قلَابَة، عَن عَمْرو، عَن أبي ذَر بِلَفْظ النَّسَائِيّ. وَخَالف ابْن الْقطَّان فَزعم أَنه لَا يعرف لعَمْرو بن بجدان حَال- وَأَخْطَأ فَإِن الْعجلِيّ قَالَ: إِنَّه بَصرِي تَابِعِيّ ثِقَة- وَإِنَّمَا رَوَى عَنهُ أَبُو قلَابَة- قلت: لَا يضر تفرده عَنهُ-
وَاخْتلف عَنهُ فَيَقُول عَنهُ خالدُ الْحذاء، عَن عَمْرو بن بجدان. وَلَا يخْتَلف فِي ذَلِك عَلَى خَالِد. وَأما أَيُّوب فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَن أبي قلَابَة، وَاخْتلف عَلَيْهِ فَمنهمْ من يَقُول: عَنهُ عَن رجل من بني عَامر، وَمِنْهُم من يَقُول: عَن رجل فَقَط، وَمِنْهُم من يَقُول: عَن رَجَاء بن عَامر، وَمِنْهُم من يَقُول: عَن عَمْرو بن بجدان كَقَوْل خَالِد، وَمِنْهُم من يَقُول: عَن أبي الْمُهلب. وَمِنْهُم من لَا يَجْعَل بَينهمَا أحدا فَيَجْعَلهُ عَن أبي قلَابَة، عَن أبي ذَر، وَمِنْهُم من يَقُول: عَن أبي قلَابَة أَن رجلا من بني قُشَيْر قَالَ: يَا نَبِي الله. هَذَا كُله خلاف عَلَى أَيُّوب فِي رِوَايَته إِيَّاه عَن أبي قلَابَة وجميعه فِي علل الدَّارَقُطْنِيّ وَفِي سنَنه، وَأجَاب الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين عَن هَذَا فَقَالَ فِي الإِمام: يَنْبَغِي عَلَى طَرِيقَته وَطَرِيقَة الْفِقْه أَن ينظر فِي ذَلِك إِذْ لَا تعَارض بَين قَوْلنَا: عَن رجل من بني عَامر، وَبَين قَوْلنَا: عَن عَمْرو بن بجدان، كَيفَ وَقد قَالَ شَيخنَا- يَعْنِي الْحَافِظ الْمُنْذِرِيّ-: إِن الشَّيْخ من بني عَامر هُوَ عَمْرو بن بجدان سَمَّاهُ خَالِد الْحذاء، عَن أبي قلَابَة، وَسَماهُ سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن أَيُّوب، وَأما من أسقط ذكر هَذَا الرجل فَيُؤْخَذ بِالزِّيَادَةِ وَيحكم بهَا. وَأما من قَالَ: عَن أبي الْمُهلب. فَإِن كَانَ كنية لعَمْرو فَلَا اخْتِلَاف، وَإِلَّا فَهِيَ رِوَايَة وَاحِدَة مُخَالفَة احْتِمَالا لَا يَقِينا، وَأما من قَالَ: «إِن رجلا من بني قُشَيْر قَالَ: يَا نَبِي الله». فَهِيَ مُخَالفَة فَكَانَ يجب أَن ينظر فِي إسنادها عَلَى طَرِيقَته، فَإِن لم تكن ثَابِتَة فَلَا تعلل بهَا. ثمَّ قَالَ ابْن الْقطَّان: وَهَذَا حَدِيث ضَعِيف لَا شكّ فِيهِ.
قلت: عَجِيب! بل هُوَ حَدِيث صَحِيح- إِن شَاءَ الله- لَا شكّ فِيهِ كَمَا عَرفته. قَالَ: وَبِهَذَا الْمَعْنى إِسْنَاد صَحِيح ذكره الْبَزَّار عَن مقدم بن مُحَمَّد الْمقدمِي، نَا عمي الْقَاسِم بن يَحْيَى بن عَطاء بن مقدم، نَا هِشَام بن حسان، عَن مُحَمَّد بن سِيرِين، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «الصَّعِيد وضوء الْمُسلم وَإِن لم يجد المَاء عشر سِنِين، فَإِذا وجد المَاء فليتق الله وليمسه بَشرته فَإِن ذَلِك خير».
قَالَ الْبَزَّار: هَذَا الحَدِيث لَا نعلمهُ يرْوَى عَن أبي هُرَيْرَة إِلَّا من هَذَا الْوَجْه، وَلم يسمعهُ مقدم إِلَّا من عَمه، وَكَانَ مقدم ثِقَة مَعْرُوف النّسَب. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَأخرج البُخَارِيّ للقاسم بن يَحْيَى مُعْتَمدًا عَلَيْهِ، وَرَوَى عَنهُ أَحْمد وَجَمَاعَة عَددهمْ.
قلت: وَذكر الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله حَدِيث أبي هُرَيْرَة هَذَا ثمَّ قَالَ: إرْسَاله هُوَ الصَّوَاب. وَأَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيّ- أَعنِي الحَدِيث- وَبحث الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين مَعَ ابْن الْقطَّان فِي تَضْعِيفه لحَدِيث أبي ذَر فَقَالَ: إِن كَانَ رَوَى من كَلَام التِّرْمِذِيّ قَوْله: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. فَمن الْعجب كَونه لم يكتف بتصحيح التِّرْمِذِيّ فِي معرفَة حَال عَمْرو بن بجدان مَعَ تفرده بِالْحَدِيثِ، وَأي فرق بَين أَن يَقُول: هُوَ ثِقَة. أَو يصحح لَهُ حَدِيثا تفرد بِهِ.
قلت: وَقد صرح بتوثيق عَمْرو الْعجلِيّ كَمَا سلف وَوَثَّقَهُ أَيْضا أَبُو حَاتِم بن حبَان وَقد صحّح حَدِيثه أَيْضا الْحَاكِم وَابْن حبَان كَمَا سلف وَتَصْحِيح الْحَاكِم لَهُ مَعَ قَوْله: إِن البُخَارِيّ ومُسلما لم يخرجَاهُ إِذْ لم يجدا لعَمْرو رَاوِيا غير أبي قلَابَة تَوْثِيق لَهُ، وَلَوْلَا قيام الْمُقْتَضِي عِنْده لتصحيح حَدِيث لما أقدم عَلَيْهِ مَعَ اعترافه بِمَا يشبه الْجَهَالَة من التفرد الْمَذْكُور، وَإِن كَانَ توقف ابْن الْقطَّان عَن تَصْحِيحه؛ لكَونه لم يرو عَنهُ إِلَّا أَبُو قلَابَة فَلَيْسَ هَذَا لمُقْتَضى مذْهبه؛ فَإِنَّهُ لَا يلْتَفت إِلَى كَثْرَة الروَاة فِي نفي جَهَالَة الْحَال، فَلذَلِك لَا يُوجب جَهَالَة الْحَال انْفِرَاد راو وَاحِد عَنهُ بعد وجود مَا يَقْتَضِي تعديله، وَقد ظهر الْحق وَهُوَ أَحَق بالاتباع، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق.
فَائِدَتَانِ: الأولَى: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو بكر الْأَثْرَم بِلَفْظ غَرِيب وَهُوَ: «يَا أَبَا ذَر، إِن الصَّعِيد طهُور لمن لم يجد المَاء عشْرين سنة، فَإِذا وجدت المَاء فأمسه بشرتك».
الثَّانِيَة: لما ذكر ابْن السكن فِي صحاحه حَدِيث أبي ذَر قَالَ: وَرُوِيَ مثله عَن جَابر، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَهُوَ وَارِد عَلَى قَول التِّرْمِذِيّ: وَفِي الْبَاب عَن أبي هُرَيْرَة، وَعبد الله بن عَمْرو، وَعمْرَان بن حُصَيْن.
ثَالِثَة: الربذَة- برَاء مُهْملَة ثمَّ بَاء مُوَحدَة مفتوحتين، ثمَّ ذال مُعْجمَة- عَلَى ثَلَاث مراحل من الْمَدِينَة وبقبر أبي ذَر الْغِفَارِيّ.

.الحَدِيث الْخَامِس عشر:

«أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ فِي الْفَائِتَة: فليصلها إِذا ذكرهَا فَإِن ذَلِك وَقتهَا».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته بِدُونِ قَوْله: «فَإِن ذَلِك وَقتهَا». من حَدِيث أنس رَضي اللهُ عَنهُ أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «من نسي صَلَاة فليصلها إِذا ذكرهَا، لَا كَفَّارَة لَهَا إِلَّا ذَلِك. قَالَ قَتَادَة: {أقِم الصَّلَاة لذكري}» وَفِي لفظ: «من نسي صَلَاة أَو نَام عَنْهَا فكفارتها أَن يُصليهَا إِذا ذكرهَا لَا كَفَّارَة لَهَا إِلَّا ذَلِك» وَفِي لفظ: «إِذا رقد أحدكُم عَن الصَّلَاة أَو غفل عَنْهَا فليصلها إِذا ذكرهَا؛ فَإِن الله- تَعَالَى- يَقُول: {أقِم الصَّلَاة لذكري}» هَذِه رِوَايَات مُسلم، وَرِوَايَة خَ: «من نسي صَلَاة فَليصل إِذا ذكر لَا كَفَّارَة لَهَا إِلَّا ذَلِك {وأقم الصَّلَاة لذكري}». وَانْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ: «من نسي صَلَاة فليصلها إِذا ذكرهَا فَإِن الله يَقُول {أقِم الصَّلَاة لذكري}». قَالَ يُونُس: وَكَانَ ابْن شهَاب يقْرؤهَا {للذِّكْرَى}. وَهُوَ حَدِيث طَوِيل هَذِه الْقطعَة فِي آخِره، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته بِاللَّفْظِ الَّذِي ذكره المُصَنّف من رِوَايَة حَفْص بن أبي العطاف، عَن أبي الزِّنَاد، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة يرفعهُ: «من نسي صَلَاة فوقتها إِذا ذكرهَا».
لَكِن إسنادها ضَعِيف، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: حَفْص لَا يحْتَج بِهِ. ويغني عَن هَذِه الرِّوَايَة مَا أسلفناه من لفظ الصَّحِيح.

.الحديث السَّادِس عشر:

«أَن رجلَيْنِ خرجا فِي سفر فَحَضَرت الصَّلَاة وَلَيْسَ مَعَهُمَا مَاء، فتيمما صَعِيدا طيبا، فَصَليَا، ثمَّ وجدا المَاء فِي الْوَقْت، وَأعَاد أَحدهمَا الْوضُوء وَالصَّلَاة وَلم يعد الآخر، ثمَّ أَتَيَا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فذكرا ذَلِك لَهُ فَقَالَ للَّذي لم يعد: أصبت السّنة وأجزأتك صَلَاتك. وَقَالَ للَّذي أعَاد: لَك الْأجر مرَّتَيْنِ».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق الْمسَيبِي حَدثنَا عبد الله بن نَافِع، عَن اللَّيْث بن سعد، عَن بكر بن سوَادَة، عَن عَطاء بن يسَار، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: «خرج رجلَانِ فِي سفر...» الحَدِيث- كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ سَوَاء- ثمَّ قَالَ: غير ابْن نَافِع يرويهِ عَن اللَّيْث، عَن عميرَة بن أبي نَاجِية، عَن بكر بن سوَادَة، عَن عَطاء بن يسَار. عَن أبي عبد الله مولَى إِسْمَاعِيل بن عبيد، عَن عَطاء بن يسَار «أَن رجلَيْنِ من أَصْحَاب النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ...» بِمَعْنَاهُ.
وَرَوَاهُ الدَّارمِيّ فِي مُسْنده عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق مُسْندًا، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ مُسْندًا ومرسلاً، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه مُسْندًا، ثمَّ قَالَ: تفرد بِهِ عبد الله بن نَافِع، عَن اللَّيْث بِهَذَا الْإِسْنَاد مُتَّصِلا، وَخَالفهُ ابْن الْمُبَارك وَغَيره. ثمَّ رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ إِلَى ابْن الْمُبَارك عَن اللَّيْث، عَن بكر بن سوَادَة، عَن عَطاء «أَن رجلَيْنِ أصابتهما جَنَابَة فتيمما» نَحوه، وَلم يذكر أَبَا سعيد.
وَكَذَا قَالَ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط: لم يروه مُتَّصِلا إِلَّا ابْن نَافِع، تفرد بِهِ الْمسَيبِي. وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من حَدِيث عبد الله بن نَافِع مُسْندًا، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم؛ فَإِن عبد الله بن نَافِع ثِقَة، وَقد وصل هَذَا الْإِسْنَاد عَن اللَّيْث، وَقد أرْسلهُ غَيره. ثمَّ رَوَاهُ مُرْسلا، قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام: لَعَلَّ الباحث الفطن يَقُول إِن الْحَاكِم صحّح الحَدِيث لاعتماده عَلَى وصل عبد الله بن نَافِع لحكمه بِكَوْنِهِ ثِقَة، وَلم يلْتَفت إِلَى إرْسَال غَيره، وَلَكِن بقيت عِلّة أُخْرَى وَهِي أَن أَبَا دَاوُد قد ذكر أَن غير ابْن نَافِع يرويهِ عَن اللَّيْث، عَن عميرَة بن أبي نَاجِية، عَن بكر، فَمُقْتَضَى عَادَة الْمُحدثين تبين بِإِدْخَال عميرَة بَين اللَّيْث وبكر أَنه مُنْقَطع فِيمَا بَينهمَا وَيحْتَاج إِلَى معرفَة حَال عميرَة هَذَا، وَقد قَالَ ابْن الْقطَّان: إِنَّه مَجْهُول الْحَال. وَأَيْضًا فَإِن رِوَايَة ابْن لَهِيعَة تَقْتَضِي انْقِطَاعًا فِيمَا بَين بكر وَعَطَاء بن يسَار، فَإِنَّهُ أَدخل بَينهمَا أَبَا عبد الله مولَى إِسْمَاعِيل- يَعْنِي السالف- فَهَذَا انْقِطَاع ثانٍ.
فَنَقُول- وَبِاللَّهِ الْعِصْمَة-: أما مَا يتَعَلَّق بعميرة بن أبي نَاجِية فَالْجَوَاب عَن التَّعْلِيل بروايته من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن عميرَة غير مَجْهُول، بل هُوَ مَذْكُور بِالْفَضْلِ، والحافظ أَبُو الْحسن بن الْقطَّان لم يمعن النّظر فِي أمره وَلَعَلَّه وقف عَلَى ذكره فِي تَارِيخ البُخَارِيّ وابْن أبي خَيْثَمَة من غير بَيَان حَاله فَقَالَ فِيهِ مَا قَالَ، فقد قَالَ النَّسَائِيّ: هُوَ ثِقَة. وَقَالَ ابْن بكر: هُوَ ثِقَة. وَقَالَ أَحْمد بن صَالح لما سُئِلَ عَنهُ وَعَن أبي شُرَيْح: هما متقاربان فِي الْفضل. وَقَالَ ابْن يُونُس فِي تَارِيخ مصر: رَوَى عَنهُ عبد الرَّحْمَن بن شُرَيْح وَاللَّيْث وَابْن وهب ورشدين وَكَانَت لَهُ عبَادَة وَفضل.
قلت: وَذكره أَيْضا ابْن حبَان فِي ثقاته فِي أَتبَاع التَّابِعين فَقَالَ: عميرَة بن أبي نَاجِية من أهل مصر يروي عَن يزِيد بن أبي حبيب رَوَى عَنهُ ابْن وهب.
الْوَجْه الثَّانِي: أَنه رُوِيَ من طَرِيق أبي الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ، عَن اللَّيْث بن سعد، عَن عَمْرو بن الْحَارِث وعميرة بن أبي نَاجِية، عَن بكر، عَن عَطاء، عَن أبي سعيد «أَن رجلَيْنِ من أَصْحَاب النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ...»
الحَدِيث ذكره ابْن السكن- فِيمَا حَكَاهُ ابْن الْقطَّان- فَهَذَا اتِّصَال فِيمَا بَين اللَّيْث وَبكر بِعَمْرو بن الْحَارِث وعميرة بن أبي نَاجِية مَعًا، وَفِيه ذكر أبي سعيد، وَعَمْرو بن الْحَارِث من رجال الصَّحِيحَيْنِ إِمَام فِي بَلَده. وَأما الِانْقِطَاع بِسَبَب ابْن لَهِيعَة فِيمَا بَين بكر وَعَطَاء فَقَالَ ابْن الْقطَّان: لَا يلْتَفت إِلَيْهِ لضعف رِوَايَة ابْن لَهِيعَة. وَلم يذكر النَّوَوِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شرح الْمُهَذّب تَصْحِيح وصل هَذَا الحَدِيث كَمَا نَقَلْنَاهُ وقررناه، وَإِنَّمَا نقل مقَالَة أبي دَاوُد السالفة أَن الْمَحْفُوظ إرْسَاله، ثمَّ قَالَ عَقِيبه: وَمثل هَذَا الْمُرْسل يحْتَج بِهِ الشَّافِعِي وَغَيره؛ لِأَنَّهُ يحْتَج بمرسل كبار التَّابِعين إِذا أسْند، أَو أرسل من جِهَة أُخْرَى، أَو قَالَ بِهِ بعض الصَّحَابَة، أَو عوام الْعلمَاء.
قَالَ: وَقد وجد فِي هَذَا الحَدِيث شَيْئَانِ فَمن ذَلِك أَحدهمَا: مَا رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي مُسْنده بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيح عَن نَافِع «أَن ابْن عمر أقبل من الجرف حتَّى إِذا كَانَ بالمربد تيَمّم وَصَلى الْعَصْر، ثمَّ دخل الْمَدِينَة وَالشَّمْس مُرْتَفعَة فَلم يعد الصَّلَاة».
ثَانِيهمَا: رَوَى الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن أبي الزِّنَاد قَالَ: كَانَ من أدْركْت من فقهائنا الَّذين ينتهى إِلَى قَوْلهم مِنْهُم سعيد بن الْمسيب- وَذكر تَمام الْفُقَهَاء السَّبْعَة- يَقُولُونَ: من تيَمّم وَصَلى ثمَّ وجد المَاء وَهُوَ فِي الْوَقْت أَو بعده لَا إِعَادَة عَلَيْهِ.

.الحديث السَّابِع عشر

رُوِيَ أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «لَا ظهران فِي يَوْم».
هَذَا الحَدِيث بِهَذَا اللَّفْظ لم أَقف عَلَيْهِ بعد الْبَحْث عَنهُ، نعم رُوِيَ مَعْنَاهُ من حَدِيث حُسَيْن الْمعلم، عَن عَمْرو بن شُعَيْب قَالَ: حَدَّثَني سُلَيْمَان مولَى مَيْمُونَة أَنه سمع ابْن عمر يَقُول: سَمِعت رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يَقُول: «لَا تصلى صَلَاة فِي يَوْم وَاحِد مرَّتَيْنِ».
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه كَذَلِك، وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن حُسَيْن، عَن عَمْرو أَيْضا، عَن سُلَيْمَان مولَى مَيْمُونَة قَالَ: «أتيت ابْن عمر عَلَى البلاط وهم يصلونَ، فَقلت: أَلا تصلي مَعَهم قَالَ: قد صليت، إِنِّي سَمِعت رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يَقُول: لَا تصلوا صَلَاة فِي يَوْم مرَّتَيْنِ». قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: تفرد بِهِ حُسَيْن بن ذكْوَان الْمعلم.
قلت: لَا يضرّهُ؛ لِأَنَّهُ ثِقَة مَشْهُور احْتج بِهِ الشَّيْخَانِ فَجَاز القنطرة، وَإِن لينه الْعقيلِيّ بِلَا حجَّة، وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة رَوَاهَا أَحْمد فِي مُسْنده وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ فِي سُنَنهمَا، وَرَوَاهَا أَيْضا ابْن حبَان فِي صَحِيحه بِلَفْظ «إِن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ نَهَانَا أَن نعيد صَلَاة فِي يَوْم مرَّتَيْنِ». وَعَزاهَا غير وَاحِد إِلَى صَحِيح ابْن خُزَيْمَة أَيْضا، ورأيتها فِي صِحَاح ابْن السكن بِلَفْظ: «لَا تصلى...» إِلَى آخِره ثمَّ قَالَ: وَقَالَ ابْن دَاوُد: هَذِه سنة تفرد بهَا أهل الْمَدِينَة.
فَائِدَة: مَعْنَى الحَدِيث: لَا تجب الصَّلَاة فِي الْيَوْم مرَّتَيْنِ، حتَّى لَا يكون مُخَالفا للأحاديث الْآتِيَة فِي بَاب صَلَاة الْجَمَاعَة أَن من صَلَّى مُنْفَردا وَأدْركَ جمَاعَة، اسْتحبَّ لَهُ إِعَادَتهَا مَعَهم، وَأما ابْن عمر فَلم يعدها لِأَنَّهُ صلاهَا جمَاعَة ومذهبه إِعَادَة الْمُنْفَرد فَقَط كَمَا هُوَ مَشْهُور عَنهُ، وَترْجم أَبُو دَاوُد عَلَى الحَدِيث: بَاب إِذا صَلَّى ثمَّ أدْرك جمَاعَة يُعِيد.

.الحديث الثَّامِن عشر:

أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «إِذا أَمرتكُم بِأَمْر فائتوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح جليل مُتَّفق عَلَى صِحَّته وَعظم موقعه وَإنَّهُ قَاعِدَة عَظِيمَة من قَوَاعِد الْإِسْلَام، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَغَيرهمَا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «إِذا نَهَيْتُكُمْ عَن شَيْء فَاجْتَنبُوهُ، وَإِذا أَمرتكُم بِأَمْر فائتوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم». زَاد أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه: «وَمَا أَخْبَرتكُم أَنه من عِنْد الله فَهُوَ الَّذِي لَا شكّ فِيهِ».
هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب.